ثورة الإنترنت في مصر نضال من أجل تخفيض الأسعار وتحسين الخدمة

شهدت مصر في السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته بـ “ثورة الإنترنت”، وهي حركة شبابية تسعى إلى تحقيق مطالب مشروعة تتعلق بأسعار الإنترنت وجودته. كانت هذه الثورة انعكاسًا للطموحات الشعبية في عصر تكنولوجيا المعلومات، حيث أصبح الإنترنت جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية. وبينما يعاني المواطن المصري من ارتفاع تكاليف الخدمات، جاءت ثورة الإنترنت لتطالب بتخفيض الأسعار وتقديم خدمة مناسبة لدخل الفرد.
البداية: مطالب ثورة الإنترنت
بدأت ثورة الإنترنت في مصر في العامين الماضيين، حيث استشعر المواطنون الحاجة الملحة لخفض أسعار الإنترنت الذي يعتبر من أغلى الخدمات في المنطقة مقارنة بالدول الأخرى. من خلال حملات واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، تزايدت أصوات المواطنين الذين يطالبون بتخفيض الأسعار والارتقاء بجودة الخدمة المقدمة.
وعود وزارة الاتصالات
على الرغم من تصاعد الاحتجاجات والمطالبات من قبل المستخدمين، كانت الحكومة ممثلة في وزارة الاتصالات قد بدأت تستجيب للمطالب الشعبية. ففي تصريحات للمهندس خالد نجم، وزير الاتصالات آنذاك، وعد بتقديم أسعار جديدة لخدمات الإنترنت، تشمل تقديم باقات بسعر 50 جنيهًا لسرعة 1 ميجابت في الثانية و100 جنيه لسرعة 2 ميجابت في الثانية. كما تم التأكيد على تطبيق سياسة الاستخدام العادل، التي من شأنها ضمان توزيع عادل للموارد وحل مشكلة التحميل الزائد على الشبكة.
ورغم هذه الوعود، طلب الوزير منح فرصة للجهاز القومي لتنظيم الاتصالات وشركة المصرية للاتصالات حتى نهاية يونيو 2023 للتوصل إلى اتفاق بشأن خفض الأسعار وتوفير الخدمة بأقل تكلفة ممكنة.
جروب شباب ثورة الإنترنت: صوت جديد للمستخدمين
كانت إحدى المبادرات الهامة في هذه الثورة هو إنشاء جروب “شباب ثورة الإنترنت” على فيسبوك، الذي أصبح منصة للحوار بين المستخدمين والمطالبة بتخفيض الأسعار. سرعان ما وصل عدد أعضاء الجروب إلى أكثر من 30 ألف عضو، ليصبح مرجعًا مهمًا للمواطنين الذين يبحثون عن وسيلة للتعبير عن معاناتهم من أسعار الإنترنت المرتفعة وجودتها غير المستقرة. كما استخدم الجروب للتنسيق بين أعضاء الحملة والضغط على الجهات المعنية.
المقاطعة: خطوة تصعيدية في طريق المطالبة
ولم تقتصر مطالب ثورة الإنترنت على الحملات الرقمية فحسب، بل ذهب النشطاء إلى أبعد من ذلك، حيث كانوا يخططون لتنظيم مقاطعة شاملة لشركات الإنترنت في مصر. فقد كانت الخطة تقتضي الاستعانة بـ100 مشترك من مختلف الشركات المقدمة لخدمة الإنترنت، للإعلان عن اعتراضهم على الأسعار غير المناسبة والتأكيد على ضرورة تقديم خدمة إنترنت تتماشى مع دخل المواطن المصري.
أسباب المطالبة: التفاوت الكبير في الأسعار
كان من أبرز أسباب هذه المطالبات هو الفارق الكبير في أسعار خدمات الإنترنت بين مصر والدول الأخرى. ففي حين أن الإنترنت في دول متقدمة يقدم بأسعار معقولة مقارنة بالدخل الفردي، فإن مصر كانت قد شهدت زيادات ملحوظة في أسعار الإنترنت، الأمر الذي أصبح يشكل عبئًا إضافيًا على المواطنين. في وقت لاحق، تزايدت الاحتجاجات عندما تم مقارنة أسعار الإنترنت في مصر مع دول أخرى في المنطقة، مما أظهر التفاوت الواضح.
تحديات قطاع الإنترنت في مصر
على الرغم من الجهود المبذولة في تحفيز الحكومة على تحسين خدمات الإنترنت، إلا أن قطاع الإنترنت في مصر يواجه عدة تحديات. من أبرز هذه التحديات بطء النمو في خدمات الإنترنت فائق السرعة، حيث بلغ عدد المشتركين في خدمة الإنترنت فائق السرعة ADSL نحو 11.1 مليون مشترك في بداية عام 2023، ما يعادل نحو 105 مشتركين لكل ألف شخص من سكان البلاد، وهو رقم لا يزال أقل من المعدلات المطلوبة.
الوضع الحالي ومستقبل الثورة
لا يزال موضوع أسعار الإنترنت وجودته يشكل تحديًا كبيرًا للحكومة وللشركات المزودة للخدمة. وفي الوقت الذي تسعى فيه ثورة الإنترنت إلى تحقيق مطالبها، تواصل الحكومة العمل على تحسين بنية الاتصالات في البلاد، حيث تم ربط مصر بأكثر من 60 دولة عبر كابلات الإنترنت البحرية، مما يساهم في تعزيز قدرة الشبكة.
لكن لا يزال أمام مصر الكثير من العمل لتحسين جودة الخدمة وتقديم أسعار معقولة. إذ تظل ثورة الإنترنت تتابع عن كثب تطورات المفاوضات مع الشركات الحكومية والخاصة، وتستمر في الضغط من أجل تحقيق مطالبها.
الخلاصة
ثورة الإنترنت في مصر تمثل أحد أشكال النضال الاجتماعي من أجل الحصول على خدمات اتصالات أفضل وأكثر عدالة. على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها، فإن هذه الحركة تبقى علامة فارقة في التاريخ الرقمي لمصر، خاصة وأنها تعكس تزايد الوعي لدى المواطنين بحقهم في الحصول على خدمات إنترنت ملائمة، وبأسعار تناسب دخلهم. إن ما حققته ثورة الإنترنت حتى الآن هو بداية لتغيير قد يؤدي إلى تحولات كبيرة في قطاع الاتصالات في مصر.